تأملات حياتية فى وقائع مصرية

المشهد الثانى : الوجة الاخر من المجتمع

فى ذاك اليوم وحين جلست أتأمل صفحة المياه المنبسطة أمامى ... ولكم يثير فى نفسى السرور ان استقل تلك الوسيلة تحديداً دون غيرها -والتى ربما تكون أقل منهم فى المدنية والتحضر - كى أصل الى البلدة التى أقطنها فلكم أحببت اللحظات التى تمر على وأنا شاردة فى خواطرى ناظرة الى ذلك النيل العظيم والذى يمثل لى الكثير من المعانى ... جلست اتامل موجاته التىتتراقص على سطحه بفعل الهواء الذى يداعبها ، تلك الامواج العميقة المعتمه التى لا تظهر ما تحتها ، تلك الامواج الغامضة كأبيها ... جلست اتأمل كل ذلك وأنا شارة بخاطرى وترزاحمت الأفكار فى ذهنى وكانت الواحدة تدفع بأختها كى تحل محلها وتشغل بعضاً من وقت تفكيرى لا أدرى من أين جاءت كل تلك الافكار ، وحينها أصبحت غارقة فى أفكارى لا اشعر بمن حولى إلى أن راعنى صوت يقول "ورنيش يا بيه ، حد عايز ورنيش" وحين التفت الى مصدر الصوت فإذا به طفل صغير لا تيجاوز عمره العشر سنوات ، كان ذلك الطفل المسكين يجوب الأنحاء حولى حاملا ذلك الصندوق الثقيل والذى عبء حمله لن يكون أثقل من تلك الاعباء التى ألقت بها الحياة على ذلك الصغير
كان يحمل ذلك الصندوق ويمر على الركاب فرداً فردأ يرجوهو أن يسمح له أحدهم بأن يأخد حذاءة كى يلمعه ويعيده اليه نظير القليل من القروش التى لن تكفيه ولن تقضى حاجتة حتى من المأكل ، ولكنه غالباً ما يواجه بالرفض وتكون الردود " لا ، لا اريد ، اذهب بعيداً " أو ربما يحترمه أحدهم ويقول له " شكرا" بينما اكتفى بعضهم بأن أشاح بوجهه بعيداً عنه ولا يكلف نفسه عناء الرد علي ذلك الطفل المكسوة ملامحة بحزن عميق ، وقد رسمت الايام بقسوتها ملامح وجهه وسطرت تقسيماته،
ذلك الطفل بملابسة المهلهلة والتى شهدت معه سنوات من العناء والشقاء والبؤس ،والملظخة بدهان الاحذية فى كل موضع منها.
لست أدرى من السبب فى معاناة ذلك الطفل ، نعم انه قدر الله الذى قدره له وأن ذاك نصيبه من الدنيا، ولكن الله جعل لكل شئ سبباً فهمو مسبب الأسباب، ترى من السبب فيما آل اليه حال ذلك الطفل المسكين
أهخو الأب : الاب الذى رحل دون سؤال عن اولاده وتركهم مثل قطعة من الخشب وسط بحر لجى عاصف الامواج وتركهم لتلك الامواج تتلاعب بهم وتتقاذفهم كيفما شاءت
أم هى الام : التى ترك أولادها هكذا يجوبون الشوارع الطرقات بحثاً عن لقمة العيش نظيفة كانت او لا ، حلالاً كانت أو حراماً ، لا يهم ولكن كل ما يهمها هو انها ازالت من على عاتقها عبء هؤلاء المساكين وتركتهم ليلاقوا مصيرهم المحتوم ويحتكوا بالأرصفة والطرقات الاسمنتية القاسية على جلود الصغار الناعمه والتى سرعان ما تتحول الى الخشونة وتتشقق كذلك.
أم انهم الاثنين معاً الذين أنجبوهم وتركوهم فى الشارع ليرتطموا بأمواج الحياة القاسية المتوحشة والتى تعصف بكل ما لهم من ملامح طفولية بريئة، تلك الطفولة التى تم تبديدها وهم مازالوا فى عمر الزهور ولكن اين تلك الزهور لقد ذبلت ولم يتبق منها سوى اشواك،ترسم ذلك الهيكل الذى مازال يصرخ قائلاً أنا انسااااااان
ام انه الفقر والعجز : القفر الذى اجبر كلا من الاب والام يتخلون عن صغارهم هكذا لأنهم لا يقوون على توفير ما يسد رمقهم.
ام انها الحيتان التى تستولى على كل ما تواجه سواء أكان من حقها ام لا تاركة هؤلاء الضعفاء هكذا وقد سلبوهم ابسط حقوقهم فى الحياة وهى ان يجدوا المأؤى .
أم ان المسئول هو المجتمع الذى ترك أولاده هكذا بعضهم ييشيع فى الارض الفساد والبعض الاخر مستسلم لمصيره المظلم فى تلك السفينة التى صعد على متنها رغماً عنه ، ولا يعلم مرساها الا الله، حتى ان تلك السفينة التى كانونا يظنون انها ربما تكون النجاة لهم قد تم خرقها وتسلل الماء اليها ليغرقها يأخدها الى اعماق المجهول.
أم أننا السبب فى تجاهلنا لهم ونظرتنا التى دائما ما تكون نظرة اشمئزاز من ذلك المشهد الذى نرى
لست أدرى أظلمناهم نحن ام ظلمهم ذويهم ام ظلموا انفسهم ولست ادرى أنى لهم ذلك
لست ادرى من هو الظالم ولكن ما ادركة حق الادراكط ان هؤلاء الاطفال فى مثل ذلك السن هم المجنى عليهم وليتنا نستطيع أن نحميهم من انفسهم لأنهم عندما يكبرون فسيكونون أسوأ مثال للعبث والفساد والشر والغصب العارم الاشبة بالنيران المتصاعدة من فوهة البركان والتى تلتهم كل ما حولها ، تلك هى نيران التمرد والانتقام من ذلك المجتمع الذى ظلمهم ومازال يظلمهم وأدى بهم الى هذا الحال وبعد ذلك ينظر اليهم قائلا: من انتم ايها الشرذمة كى تطالبون بحق الحياة؟؟
ان الخطأ هو خطؤنا لأننا اهملناهم لأننا تعاملنا على انهم لا شئ ،
لابد ان نكف عن قول تلك الشعارات السخيفة والتى من كثرة استخدامها فقدت معناها ، اننا نتحث فقط بينما هم يعانون ، لا بد أن نتعلم كيف نعالج المشكلة من جذورها لا ان نضع عليها طبقة من الكريمة وقطعة من الكرز كى نزين شكلها حتى لا تضاييقنا الحقيقة وتزعجنا من حين لأخر
قول بسيط : الى متى ستستمر الكريمة فى مفعولها ؟ وان غطت ا لمنظر القبيح فهل ستخفى تلك الرائحة المتصاعدة والتى كادت ان تخنق مجتمعنا بل وبدأت بالفعل فى ذلك.
ان ما حدث هو اننا احسسنا بلوم الاخرين لنا فقررنا اخفاء الوضع بتلك الاشياء التى تزين الشكل فقط بينما الجوهر مازال كما هو.
ليتنا نسرع فى احتواء الامر قبل ان يتطور اكثر من ذلك ونحتويهم ونقدم لهم القدوة الحسنة كى يصبحوا نافعين حقا لمجتمعم ، ليتنا نفعل ذلك بحق عن ايمان واقتناع ونترك تلك الشعارات التى نستخدمها عندما يدق ناقوس الخطر كى نهدئ الثورة ونطفى النار بينما لا يزال الجمر مشتعلاً تحت الرماد.

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS